فترة مارادونا في نابولي: الفتى الذهبي الذي لم يُنصفه الإسبان فأشرق الشمس في بلاد الطليان
مارادونا...إنه لاعب لا يحتاج لأي بطاقة تعريفية إنه الأرجنتيني الذي بهر العالم بفنياته ولمساته، لاعب لطالما كان الجدل ينتج عن أفعاله، ولد فقيرا وعاش غنيا عن التعريف، مسيرته الكروية كانت أشبه بفيلم تراجيدي...
بدأها في موطنه بتألق كبير رفقة فريق العمر بوكا جونيور لتكون وجهته إلى
الإحترافية هي برشلونة أين لعب للفريق الكتالوني قبل أن يخوض في بلاد
المافيا أنجح تجاربه الكروية على مدار مسيرته في الفريق الذي كان مغموراً
قبل قدومه، نادي نابولي، وفي هذه المساحة سنعرف مسيرة أفضل لاعب على مدار
تاريخ المستديرة بوقفات خاصة في مشواره رفقة "الأزوري" وأهم الأسباب التي
جعلته يُغادره وأشياء أخرى جد مُثيرة ستكتشفونها في هذه الأسطر.
الفقير الصغير الذي أبهر بيونيس أيرس بفنياته
ولد دييڤو أرماندو مارادونا يوم 30 أكتوبر 1960 بمدينة لانوس بالعاصمة
الأرجنتينية بيونيس أيرس، كان دييڤو الطفل الرابع في العائلة كما أنه نشأ
في وسطٍ يخلو من الإخوة الذكور، عائلته وكما هو حال جل الأرجنتينيين كانت
تعيش في ظروف مُزرية، لكن وكما عودتنا الساحرة المستديرة فإنه لا يُبدع بها
إلا أبناء الفقراء وهكذا كان مارادونا بارعاً بالفطرة كيف لا وهو إبن
الجنوب الأمريكي الذي طالما أنجب عمالقة الكرة على غرار البرازيلي بيليه.
الطفل مارادونا أظهر منذ نعومة أظافره حُباً شديدا للكرة التي كان يُداعبها
بين الأحياء الضيقة لمدينته الواسعة وهو ما تجلى في مهاراته التي أدهشت
أقرانه وهو لا يزال في الحادية عشر من العمر.
كارنيخو إكتشفه وسطر له طريقاً نحو النجومية
مع بروز موهبته بشكل باهر وسط أقرانه جلب مارادونا إليه أنظار العديد من
الكشّافين حيث أن واحداً منهم والذي يُدعى فرانسيس كارنيخو ضمّه إلى فريق
أرجنتينيوس جونيور لِما لاحظه من الموهبة الفذّة التي كان يملكها مارادونا،
في ذلك الوقت حقق دييغو نجاحا باهراً مع أقرانه في الفريق والذين أطلق
عليهم إسم "البصلات الصغار" كون معظم اللاعبين قد كانوا قصار القامة
مُقارنة بإعمارهم، والأكيد أن فتى لانوس كان الأكثر موهبة بينهم وهو ما جعل
القائمين على النادي يُقدمونه إلى الجمهور بين شوطي مُباراة الأكابر
ليُقدم عروضاً كروية جميلة للجمهور الحاضر وهو ما استدعى التلفزيون
الأرجنتيني حينها القيام بمُقابلة صحفية مع النجم الصغير على هامش إحدى
المُباريات أين أطلق مارادونا تصريحه الشهير :"أريد أن العب رفقة المُنتخب
الأرجنتيني وأحقق كأس العالم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فريق القلب إحتضنه وفتح له باب الإحتراف الأوروبي
أصبح مارادونا فيما بعد قائداً لفريق "أرجنتينيوس جونيور" وهو ما لفت إليه
أنظار الأندية الكبرى في بلاد الفضة إلى أن نجح فريقه المحبوب بوكا جونيور
في ضمه لمدة موسمين وهي المدة التي أبان خلالها دييڤو على مستوىً باهر وهو
الأمر الذي جعله محبوب القلوب لجماهير فريق الفقراء بـ"البونبونيرا" خاصة
بعد قام في احد أعصب المواجهات بين فريقه وغريمه التقليدي ريفر بلايت
بتسجيل هدفين من أصل ثلاثة وهو ما منح فريقه البطولة الأرجنتينية، هذا
التألق جعل أطماع كبار الأندية الأوروبية تزيد بشأن ضمه وبعد صراع طويل نجح
العملاق الكتالوني برشلونة في التعاقد معه بمبلغ قياسي قُدر بـ12 مليون
دولار حينها بعد مسيرة ناجحة في الأرجنتين رفقة البوكا بـ40 مُشاركة و28
هدفاً في موسمين.
كاتالونيا تحتضنه والعنصرية تُخفيه
بعد تألقه في بيونس أيرس رفقة "البوكا" إنضم الفتى الذهبي إلى برشلونة في
صفقة قياسية آملاً في أن يُحقق النجاح الذي لطالما حلم به، لكن تجري الرياح
بما لا تشتهي السفن، فمارادونا ورغم موهبته الخارقة إلا أنه لم يُوفق إلى
حد بعيد مع الكتالان، حيث أنه عانى من عنصرية مقيتة من الجماهير البرشلونية
المُتعصبة ضد كل ما هو لاتيني والتي بدأت في الظهور مع إخفاق النجم
الأرجنتني في إظهار مُستوياته الكبيرة التي إعتاد عليها العالم، لكن الأمر
لم يكن بالتأكيد في يد دييڤو الذي عانى كثيراً من التدخلات العنيفة من
المدافعين في إسبانيا مما اجبره إلى الركون على الراحة لمدة طويلة بعد
الإحتكاك الخطير مع مدافع اتليتيكو بيلباو أندوني ڤواكوتيكشا.
لقب وحيد مع برشلونة ودييڤو يخرج من الباب الضيق
بعد شفاء دييڤو مارادونا من إصابته في الكاحل عاد مُجدداًَ رفقة فريقه
الإسباني إلى المُنافسة ومع تألقه على المستوى الشخصي إلى أن ذات المشاكل
التي كانت في عامه الأول قد لحقته، وبعد مسيرة ناجحة في بطولة كأس الملك
وصل دييڤو رفقة "البلاوڤرانا" إلى النهائي الذي شاءت الأقدار أن يكون أمام
أتليتيكو بيلباو، حينها بدا مارادونا وكأنه قد وجد فرصته للإنتقام من
المدافع أندوني وفعلا فمارادونا قام بتحويل المُواجهة التي أجريت تحت أنظار
ملك إسبانيا حينها إلى حلبة مُبارزة جراء تدخل آخر على اللاعب من ذات
المُدافع، حينها لم يفقد دييڤو براءته فقط بل فقد سيطرته على نفسه، لم يعُد
للأمر أية علاقة بكرة القدم بل بتصفية حسابات، وهو الأمر الذي كان بمثابة
الزيت التي تُصب على النار والذريعة التي لا يجب على الكتلان تركها تذهب
لإخراج مارادونا من فريقهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نابولي يحتضن الأرجنتيني وتوقيع الأوراق كان على متن قارب
عقب الضجة التي أحدثها دييڤو رفقة برشلونة الإسباني لم يكن أمامه إلا ترك
النادي والإتجاه إلى نابولي الإيطالي الذي طلبه بمبلغ قياسي قُدر بـ15
مليون دولار حينها، ورغم أن الحديث عن قدوم مارادونا إلى نابولي قد وصل إلى
كافة المصادر الإعلامية إلا أن سُكان مدينة الجنوب الإيطالي لم يُصدقوا
ذلك إلا حينما رأوا دييڤو يخرج من احد القوارب في خليج مدينة نابولي في
العام 1984، وبهذا إنضم فتى الأرجنتين الذهبي بنادٍ لم يكن احد يتوقعه،
نادٍ مغمور لم يحصل منذ أكثر من 53 عاما على بطولة واحدة، فريق شعبي من
الجنوب لا يُطيع سوى عاداته، مارادونا وقّع حينها على أوراق العقد على متن
قارب في الخليج الإيطالي رفقة الإداري سيتيرز بيلر و مالك الأشغال العامة
في الفريق الأزرق فيرلينو دون أن يقرأ حتى شروط العقد راهناً بذلك سبع
سنوات من مسيرته.
إستقبال أسطوري للنجم الأرجنتيني على ملعب "سان باولو"
بعد أن وقع دييڤو على أوراق عقده وأصبح لاعباً لـ"الأزوري" لسبع سنوات
قادمة كان لزاماً على الجماهير الفقيرة لنابولي أن تستقبل نجمها الأول
والمنقذ المُحتمل لوضعية الفريق المُزرية حيث أن فريق الجنوب لم يكن يملك
أي بطولة إيطالية في رصيده، الإستقبال وكما كان مُتوقعاً كان أسطوريا لكن
أحداً لم يظن أن يُحطم كل الأرقام القياسية، حيث أن الجماهير الزرقاء بلغ
عددها لحظة الترحيب بالفتى الذهبي إلى أكثر من 65 ألفاً وهو الرقم الذي لم
يتحطم إلا مؤخراً عندما إستقبل أنصار ريال مدريد الإسباني نجمهم البرتغالي
كريستيانو رونالدو، وهكذا فإن مارادونا لم يكن أمامه بعد أن لقي الجو
المُناسب للتألق إلا أن يُظهر كامل إمكانياته ومهاراته لإخراج نابولي من
جحيم الإخفاقات.
أبهر في أول ظهور وجعل الفيزياء عنواناً لأهدافه
في الرابع والعشرون من فيفري من العام 1985 دخل مارادونا إلى ملعب "سان
باولو" ليُقدم تحفته الجديدة أمام فريق العاصمة لازيو روما، في هذه
المواجهة أبان مارادونا على يقظة كبيرة في تسجيله للهدف الأول الذي أحرزه
بعدما خطف الكرة من مدافع "النسور"، ثم الهدف التالي الذي طبق فيه عملياً
نظرية فيثاغورت حين رفع الكرة بشكل ميليميتري فوق حارس فريق العاصمة، بعدها
بوقت ليس بالطويل سجل دييڤو هدفاً على طريقة "ڤارينشا" من ضربة ركنية
لامست الشباك دون تدخل أيٍ من اللاعبين، إنه أكثر من رهان، إنه إهانة
حقيقية لمُدرب المنافس الذي أعلن قبل بداية المُباراة أن 3 أطفال يستطيعون
إيقاف هذا النجم وبذلك أكد الفتى القادم من بيونيس أيرس أنه قادر على تحدي
نوادي الشمال الإيطالي التي كانت تحتكر البطولة آنذاك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخفاق في أول عام، الصحافة تنتهز الفرصة ومارادونا يُحيي الإيطاليين على أخلاقهم
بعد أن قدّم مارادونا آداءاً جيّداً في البداية لم يكن عليه المواصلة بنفس
المستوى، فالفريق الإيطالي لم يكُن يومها قادراً على الصمود في وجه الأندية
الكبيرة كميلان وجوفنتوس، وفي المُباراة التي لعبها أبناء الجنوب ضد
فيرونا عاش مارادونا مُعاناة حقيقية بالتدخلات العنيفة من جانب المُدافع
الألماني العملاق هانس بريڤل الذي كان طوله يصل إلى 1.88م أمام فتى لا
يتعدى طوله الـ1.70 م، وهي المواجهة التي أسالت الكثير من الحبر حيث أكد
النقاد وقتها أن نابولي خذل أنصاره بضمه للمُخلص الوهمي دييڤو مارادونا
الذي لم يُقدم شيئاً في مُبارياته الأولى مع "الأزوري"، لكن فتى بلاد الفضة
أشار في تصريحاته إلى أن الجماهير الإيطالية كانت مُتحضرة معه إلى حد بعيد
على عكس ما يُشاع عنها إذ قال :"الإيطاليون يعشقون الكرة ويُحبونني رغم
نتائج الفريق المُتواضعة، تجربتي الأولى مع نابولي لم تكن قاسية كالتي
عشتها في إسبانيا".
مارادونا يُعاصر النجوم ويرتقي بآداء نابولي إلى العالمية
رغم أن الموسم 1985/1986 لم يعرف أي تتويج لمارادونا مع نابولي إلى أنه كان
ناجحاً بكل المقاييس حيث أن اللاعب أثبت أنه واحدٌ من اللذين يُحسب لهم
ألف حساب في البطولة الإيطالية على غرار كل النجوم التي عاصرها هناك
كبلاتيني في جوفنتوس، رومينيڤي رفقة الإنتير وبوينك البولندي مع روما،
مارادونا كان بدوره راضياً عن مستواه بشكل كبير وهو ما أظهره في تصريحه
التالي للصحيفة الإيطالية الأكثر شهرة "لا ڤازيتا ديللو سبورت" حيث قال
:"إني أشعر بالراحة والتأثر، قناعتي بمُستواي قد زادت بعد السنة التي
قضيتها هنا، خاصة أنني ألعب في أكثر البطولة إمتاعاً، البطولة الإيطالية".
أنهى نحس عشر سنوات، ومُنافسه بلاتيني يصفه بالوحش
في هذا الموسم الذي اعتبره دييڤو ناجحاً بكل المقاييس على الصعيد الشخصي
كان نابولي أيضاً يعيش أياما جميلة بمُقارعته لكبار الأندية في بلاد
المافيا، ولعل أفضل ما حدث لنادي الجنوب عامها هو الفوز في أول مُباراة في
البطولة وهو الأمر الذي غاب عن "الأزوري" لمدة عشر سنوات كاملة لغياب
صُنّاع الملاحم، ومن جهة أُخرى فإن مُنافسة مارادونا لم تكن للأندية فقط
فحتى النجوم دخلوا في معمعة إعلامية معه، حيث غالباً ما كانت التصريحات
المُتبادلة بين دييڤو وبلاتيني تُميز لقاءاتهما الصحفية، وهو ما جعل إبن
بيونيس أيرس يرفض ما تناقلته وسائل الإعلام في إمكانية تشكيل ثُنائي يجمعه
ببلاتيني مؤكداً أنه منزعج بشكل كبير من اللاعب الفرنسي الذي وصفه بالوحش.
مارادونا يفي بوعده لرئيس نابولي ويضع "الأزوري" على عرش الكرة الإيطالية
حين قدم مارادونا إلى نابولي وأثناء توقيعه على عقده الجديد وجه له رئيس
النادي الكلام التالي :"أريد الفوز بالبطولة الإيطالية والإنتصار على
جوفنتوس والتتويج ببطولة أوروبية"، وبالفعل فإن مارادونا إستطاع وبعد موسم
شاق من التتويج رفقة نابولي بأول ألقابه في البطولة المحلية بالإنتصار على
جوفنتوس طبعاً، لكن الأمور لم تكن سهلة في آخر المُواجهات في البطولة والتي
كانت أمام فيورونيتنا حيث أن رفقاء دييڤو كانوا بحاجة إلى التعادل فقط
ليضمنوا البطولة وهو الامر الذي عقده كثيراً النادي الفلورنسي بتقدمه في
النتيجة بهدف المُتألق "بايلو" عن طريق ضربة حرة مُباشرة، لكن وكالعادة كان
الأرجنتيني المُنقذ الأول والوحيد لـ"الأزوري" حيث إستطاع من إدراك تعادل
التتويج ليُطلق العنان لأصوات 78 ألف حنجرة دوّت أصواتها ملعب "سان باولو"
والتي عاشت أيضاً لذة التتويج بكأس إيطاليا في ذات الموسم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميلانو تتفوق على نابولي الذي اكتفى بالوصافة في موسمين
بعد تتويج نابولي بالبطولة موسم 1986/1987 أصبحت أندية الشمال تحسب لهذا
الفريق المغمور الذي أصبح فجأة بطلا لإيطاليا ألف حساب وحساب، وبعد موسم
شاق وطويل كان لزاماً على نابولي أن ينتصر في آخر مُبارياته أمام مُنافسه
على اللقب أي سي ميلان ليُتوج للمرة الثانية وكأن القدر قد أعاد صورة
الموسم المُنصرم وجعل تتويج نابولي يُحسم في آخر مُباريات البطولة، لكن هذه
المرة كان الأمر مُختلفاً فالطرف الثاني في اللقاء كان هو الآخر يلهث وراء
اللقب، وبالفعل تمكن أبناء عاصمة الموضة من التغلب على أبناء الجنوب
بثلاثة أهداف لهدف واحد، وفي الموسم الموالي إحتل نابولي مركز الوصافة
للمرة الثانية حيث آلت البطولة إلى فريق ميلانو الأخر إنترناسيونال ليكتفي
"الأزوري" بكأس السوبر الإيطالية.
الألقاب تعود و إسم مارادونا يخلد في نابولي
في العام 1989 حقق نابولي الإنجاز الأوروبي الوحيد له في خزينته، حيث تمكن
النجم الأرجنتيني مارادونا إلى جانب الرهيب البرازيلي كاريكا من قيادة "
الأزوري" إلى منصة التتويج بكأس الإتحاد الأوروبي بعد المُباراة التي خاضها
الفريق أمام شتوتغارت الألماني، وفي العام الذي تلاه حقق الفريق الأزرق
ثاني لقب له في بطولة الدرجة الإيطالية الأولى بعد مُنافسة كبيرة مع النادي
اللومباردي أي سي ميلان الذي كان يضم وقتها كتيبة النجوم الهولندية رود
ڤوليت، فان باستن وفرانك ريكارد، هذه الإنجازات الفريدة من نوعها لنادٍ لم
يكُن معروفاً إلا في إيطاليا جعلت المُلهم دييڤو يعتبرها أفضل من كأس
العالم التي نالها رفقة الأرجنتين عام 1986.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كأس العالم في إيطاليا..الخيط الأول للطلاق
كان على الأرجنتين أن تُدافع عن لقبها في كأس العالم التي أُقيمت بإيطاليا،
وفي الثالث من شهر جويلية عام 1990 رتّب القدر الأمور على غير رغبة دييڤو
أرماندو مارادونا وأحتفظ له بمُفاجأة غير سارّة، حيث أن لقاء إيطاليا البلد
المُضيف لكأس العالم أمام الأرجنتين في الدور النصف النهائي للبطولة كان
على ملعب "سان باولو"، يومها كتبت الجماهير هناك لافتة عليها :"مارادونا
نابولي تحبك لكن إيطاليا هي وطننا"، لقد كان بالفعل موقفاً مُحرجاً للفتى
الذهبي الذي لم يدري أن نهاية المباراة ستحمل له الشتائم من كل جهة في
الملعب الذي صنع أفراحه، فدييغو كان المنفذ لضربة الجزاء التي أخرجت
إيطاليا من البطولة لينطلق بعدها فرحاً في جو هستيري لجماهير الجنوب
الإيطالي.
نهائي روما حمل الحقد الكبير بين دييڤو والإيطاليون ولسانه لم يتوقف عن الشتائم
بعد النصف النهائي التراجيدي رفض مارادونا الإدلاء بأي تصريح للصحافة
الحاضرة في الملعب بينما خرج رفقة زملاءه في جو بهيج جدّاً أزعج كثيراً
الإيطاليون، وفي النهائي الذي اُقيم على ملعب "الأولمبيكو" بالعاصمة روما
بين الأرجنتين وألمانيا كان الجو مُتوتراً للغاية حيث وقف جل الإيطاليين
الذين كان جزءُ كبير منهم من أبناء مدينة نابولي إلى جانب الألمان، يومها
كان كل كِبار الفيفا قلقون من تصرفات الإيطاليين الذين صفروا مُطولاً على
النشيد الوطني الأرجنتيني وهو الأمر الذي جعل دييڤو يردد الشتائم
المُتواصلة للجماهير عوض ترديد نشيد بلاده، هذه المُواجهة إبتسم فيها الحظ
للألمان إذ أطلق حكمها صافرة النهائية وسط بُكاء مارادونا الذي لم يتوقف
لسانه عن شتم الجماهير الحاضرة وبذلك كانت كل المؤشرات تُنبؤ بنهاية حقبة
إيطالية مليئة بالنجاحات.
نابولي يعود إلى الإخفاقات ومارادونا يرجع على إسبانيا
بعد كأس العالم 1990 لم تكن عودة دييغو إلى ناديه موفقة كما كان مُتوقعاً
حيث واجه الكثير من المشاكل التي ربطته بالمافيا، الكوكايين والعلاقات
الغير شرعية، وبعد موسم غير جيّد تجسدت فيه السيطرة الواضحة لسامبدوريا
وميلان كانت نهاية دييڤو في المُباراة التي خسرها "الأزوري" أمام
"البلوتشيركياتي" المُتوج باللقب بـ4-1، وبعد مفاوضات طويلة مع إشبيلية
الإسباني والتي دامت لأكثر من 3 أشهر رحل النجم الأرجنتيني عن فريقه تاركاً
وراءه مجداً ليس من السهل أن يُمحى، مجدٌ لا تزال جماهير نابولي تتذكره
حتى الآن، مجدٌ لم يستطع النادي الأزرق أن يُعيد أيامه، مجدٌ لن يرجع إلى
بميلاد أسطورة في الفريق بحجم دييڤو أرماندو مارادونا.
رحيله سبب أزمة في نابولي والسيطرة عادت لميلان و"اليوفي"
في الموسم الموالي لرحيل مارادونا تمكن نابولي من تحقيق المركز الرابع في
البطولة بصعوبة، لكن الأمور لم تكن جيّدة للنادي في السنوات الموالية، حيث
واصل "الأزوري" سقوطه الحر على أن شاءت الأقدار أن يهبط النادي سنة 1998
إلى بطولة الدرجة الثانية الإيطالية ليعود إلى مكانه بعد موسمين، وما لبث
إلا أن عاود السقوط، ليعيش نادي الجنوب الإيطالي سنة 2004 أسوأ أيامه
بهبوطه إلى الدرجة الإيطالية الثالثة، وما إن إستلم أوريليو دي لورونتيس
رئاسة النادي بعد شرائه حتى غير إسمه من "الشركة الرياضية لنابولي" إلى
"نابولي سوكر"، وبعد مُعاناة دامت أربع مواسم رجع الفريق إلى بطولة الدرجة
الإيطالية الاولى آملاً في تحقيق نتائج تليق بسمعة إحدى فترات تاريخه.
حال مارادونا لم يختلف عن نابولي والكوكايين سبب نهايته
كان مارادونا يُعاني هو الآخر بعد رحيله عن نابولي حيث رحل في تجربة فاشلة
إلى إشبيلية الإسباني ومن ثمة إلى "نيو ويلز أولد بويز" الأرجنتيني ليختتم
مسيرته رفقة فريقه الأول بوكا جونيور، ومع أن دييغو كان لا يزال قادراً على
العطاء إلا أن تجارب المُخدرات والكوكايين عصفت به إلى الهاوية، لكن وقبل
كأس العالم 1994 بأمريكا رجع الفتى الذهبي إلى التدريب بمفرده رفقة مُدربه
فيرناندو سينيوريني كون الأرجنتين كلها تعتمد عليه للإرجاع اللقب العالمي
المفقود، لكن ومع مرور مُبارتين فقط من البطولة الأمريكية ثبت أن دييغو
تعاطى نوعاً من المُنشطات يُدعى "الإفيدرين" وهو ما اجبر الإتحاد الدولي
على إستبعاده وسط أجواء رهيبة عاشها اللاعب الذي أكد على عدم تعاطيه لأي
مادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوجه الآخر لعلاقة مارادونا بنابولي...
خليج المدينة أبهره وأكد على عشقه لها منذ الوهلة الأولى
منذ أن حط الرحال بخليج نابولي رفقة وكيل أعماله قصد إمضائه للعقد الذي
سيجمعه بفريق المدينة لسبع سنوات، أكد مارادونا على إعجابه الشديد بالمدينة
الإيطالية، حيث أوضح إلى أنه جعلها في مخيلته بيونيس أيرس وهو ما سهّل
عليه التأقلم فيها بسهولة، هذا وكان النجم الأرجنتيني قد لاقى أول تحية
إيطالية مُباشرة بعد أن أخرج رأسه من القارب الذي كان على متنه لدى وصوله
حيث تعرفت عليه مجموعة من النسوة وقمن بالتلويح له ليرد عليهن الفتى الذهبي
التحية بالمثل وهو ما جعله يتنبأ بعلاقة طيبة مع الجماهير الإيطالية التي
لطالما سمع عنها الكثير من الإشاعات السيئة مثلما أكد هو ذاته.
يعشق الطعام الإيطالي والسمك وجبته المفضلة في نابولي
كان مارادونا مُحباً للحياة بكل أنواعها حيث أنه لم يكن يتخلف عن أي موعد
لحفلة أو دعوة لمأدبة بين الأصدقاء، وفي خضم ذلك إعترف الفتى الأرجنتيني
بعشقه الكبير للطعام الإيطالي الذي يبقى سمة بارزة في هذه الدولة، ومع أنه
تواجد في مدينة تطل على البحر الأبيض المٌتوسط فإنه كان مُحباً للسمك
المطهو على الجمر بالطريقة الإيطالية كما أكد في إحدى أحاديثه عن إيطاليا،
ومن جانب آخر عُرف عن مارادونا الإنفلات في التحكم برغباته في كثير من
المرات وهو الأمر الذي جلب له العديد من المشاكل، كما كان الحال عندما خرج
رفقة عائلته في عطلة لم تُبرمج بغرناطة الإسبانية وهو الأمر الذي يهضمه
حينها مسؤولي نابولي.
علاقات مشبوهة مع المافيا في بلاد المافيا
عُرف عن مارادونا أثناء تواجده في إيطاليا إرتباطاته المشبوهة بالمافيا
التي لم تدعه وشأنه في ما بعد، ومع أن العلاقة مع مجموعة "لاكامورا" مع
نهاية الثمانينات قد طويت ملفاتها إلا أن عائلة جوليانو العماد الرئيس
للمافيا بنابولي بقت تحوم حول النجم الأرجنتيني الذي لم يجد إلا تصريحاته
التي تُبرأه من العلاقات المشبوهة التي أوضح إلا أنه لم يكن طرفاً فيها،
هذه العلاقات لم تكن فقط تخص الكوكايين وإنما شملت حتى قضايا المُراهنات
على المُقابلات المحلية والتي لم يكُن القانون الإيطالي يُعاقب عليها في
ذلك الوقت.
والأخبار عن أبوته لطفل غير شرعي حديث الشارع الإيطالي
ومع علاقاته بالمافيا في إيطاليا أقام دييڤو أرماندو مارادونا العديد من
العلاقات الغير شرعية، لكن السيدة الشقراء كريستينا سيناڤرا فضحت علاقته
معها وهو ما إستدعى القضاء الإيطالي إلى جلب جهاز كشف للكذب بمبالغ كبيرة
وتم إستجواب العشيقة المشبوهة أمام الملايين من الإيطاليين على المُباشر،
حينها صرّح النجم الأرجنتيني قائلاً :"أنا مرهق، حينما توجهت تلاحقني
الشائعات، يُريدون النيل مني بأي طريقة، هناك طفل يتحدثون عنه، لكن أكثر
شيء يهمني هو أن أُقدم كل ما أستطيع لبلدي ولفريقي نابولي".
علاقة سيئة مع الصحافة الإيطالية و دييڤو يؤكد كرهه للأضواء
لم تكن علاقة مارادونا بالصحافة الإيطالية جيّدة كفاية، حيث أنه كان مادة
إعلامية جيّدة للعديد من الصحف والتلفزيونات هناك خاصة بفضائحه المُتكررة
إلى جانب نجوميته بإعتباره أفضل لاعب في العالم، ومع مُلاحقة الإعلاميين
و"البابارازي" لصاحب القدم اليُسرى السحرية أبدى الأخير تذمره في احد
التمرينات التي كان يقوم بها في الصالة المُخصصة لتقوية العضلات بمقر
"الأزوري" أين سأله أحد الصحفيين قائلاً :"لماذا لا تُنير الأضواء"، فأجابه
دييڤو بطريقة ذكية جدّاً قائلاً :"أنا لا أُحب الأضواء ولا أبحث عن عدسات
المُصورين أن فقط أعشق كرة القدم".
راتبه تخطى المليون دولار وحديثه عن سنين فقره لا يُفارقه
مع أنه كان أغلى لاعب على مر التاريخ حينها بإنضمامه إلى نابولي بصفقة
قياسية قُدرت حينها بـ15 مليون دولار، وراتب سنوي تخطى المليون، لكن
وبالرغم من ذلك إلا انه لم ينسى إطلاقاً سنوات الفقر التي عاشها في لانوس
حيث أكد في أحد أحاديثه قائلاً :"كان الشتاء بارداً جداً والصيف حار جدّاً،
كنا نعيش في منزل بالقرميد، لقد كانت ساحة القذارة تُقابل واجهة المنزل،
لم نكن نملك الكثير لكننا غالباً ما كنا نمرح"، وأضاف :"لقد والدي الدون
دييغو يضربني بقسوة لكنه كان يُوفر لي الطعام، لقد كان يكسر ظهره من أجلنا،
كان يُحب أن نذهب إلى المدرسة لكني إخترت طريقاً آخر".
"يد الله" فيلم إيطالي يحكي مُعاناته أكثر من أفراحه
تولى الإيطالي "ماركو ريسي" إخراج أحد أشهر الأفلام على حياة النجوم، حيث
قّدم للجماهير العاشقة لنجم نابولي السابق فيلماً يحكي في مُعظم فتراته عن
تورطه مع مجموعات المافيا التي ساهمت في تفاقم إدمانه للكوكايين، هذا
الفيلم حمل عنوان "يد الله" (والعياذ بالله) في إشارة إلى هدف دييڤو أمام
إنجلترا بيده والذي أسماه بنفسه بهذا الإسم حين سأله أحد الصحفيين عما إذا
تعمد تسجيله باليد، مُخرج الفيلم سُئل عن سبب إختياره لأحد أكثر المُتعاطين
للمخدرات شهرة كبطل لفيلمه فأجاب :"صحيح أن مارادونا تعاطى الكوكايين،
لكنه على الأقل لم يكن مسؤولاً حكومياً"، في إشارة إلى منه إلى شائعات أكدت
تعاطي بعض السياسيين للمُخدرات في الآونة الأخيرة.
تزوج على الطريقة الإيطالية وسط مُعاناة الأرجنتينيين من أزمة مالية خانقة
في الفترة التي كان فيها مارادونا رفقة نابولي كانت الأرجنتين تعيش أوضاعاً
مُزرية من الناحية الإقتصادية بعد أن تم إيقاف الدكتاتور الجنرال فيديلا،
وهو الإطار الغريب لإقامة أحد أبناء هذا البلد لأكثر حفلات الزواج بذخاً،
حيث أن دييغو أقام حفلة عرس زواجه الذي جمعه بجارته القديمة كلاوديا على
الطريقة الإيطالية بـ1500 مدعو كان الكثير منهم من مدينة نابولي الذين خصص
لهم مارادونا طائرة خاصة، فهل كان مارادونا يثأر لنفسه من ماضيه الإجتماعي
بإقامة تلك الحفلة.
مارادونا يستحق بحق لقب اللاعب الأكثر جدلاً في تاريخ المُستديرة
عُرف عن مارادونا الكثير من المواقف التي جعلت منه أهم لاعب مُثيرٍ للجدل
في زمانه وبعده، ومن أشهر اللقطات إثارة في حياته الكروية تلك التي عرفتها
بداياته حين قام بالتعدي على أحد لاعبي البرازيل لحساب أحدى مُباريات كأس
العالم 1982 وهو ما كلفه الطرد المُباشر، لتكون حادثته مع مُدافع أتليتيكو
بيلباو أندوني ڤواكوتيكشا أحد أكثر الحوادث إسالة للحبر في مسيرته سيما
وأنها كانت تحت أنظار ملك إسبانيا خوان كارلوس، ثالث المواقف إثارة كان
الهدف الشهير الذي سجله بيده على الإنجليز في بطولة كأس العالم 1986، أما
رابع هذه المواقف ذلك الذي ألقى فيه مارادونا كامل عبارات السب والشتم
للجماهير الإيطالية التي وقفت على جانب ألمانيا في نهائي كأس العالم 1990،
هذا وتبرز العديد من المواقف الكثيرة في حياة هذا النجم على غرار تعاطيه
للمُخدرات والصراع الغير مفهوم بينه وبين البرازيلي بيلي.
إنجازاته رفقة نابولي
- كأس الإتحاد الأوروبي عام 1989
- البطولة الإيطالية عامي 1987 و1990
- كأس إيطاليا 1987
- كأس السوبر الإيطالية 1989
الألقاب الشخصية التي حصدها لما كان لاعباً لنابولي
- أحسن لاعب في العالم 1986
- أحسن لاعب أرجنتيني 1986
- أحسن لاعب في أمريكا الجنوبية سنوات 1986، 1989، 1990
- أحسن لاعب في البطولة الإيطالية 1985
- الكرة الذهبية الأوروبية عامي 1986، 1987
- أحسن رياضي للعام
0 commentaires :
Enregistrer un commentaire